يكتب دانيال تيستر أن موسم جني الزيتون بدأ في الضفة الغربية المحتلة، لكنه بدأ معه أيضًا موسم آخر من العنف المنهجي ضد الفلسطينيين وأشجارهم. خلال النصف الأول من عام 2025، سجّل مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة 757 اعتداءً شنّه مستوطنون، خلّف إصابات وأضرارًا واسعة بالممتلكات.

 

الفلسطينيون تعرّضوا لهجمات متكررة، وحقول الزيتون سُوّيت بالأرض، ومزارع بأكملها خُرّبت وسط إدانات دولية وانتقادات من المفوضية الأممية لحقوق الإنسان.وفي غزة، التي كانت تملك صناعة زيتون مزدهرة، دمّرت الحملة العسكرية الإسرائيلية كل الأراضي الزراعية تقريبًا خلال حربها المستمرة منذ عامين، والتي أودت بحياة أكثر من 68 ألف فلسطيني.


ينقل موقع ميدل إيست آي أن زراعة الزيتون ليست مجرد نشاط اقتصادي للفلسطينيين، بل تراث ضارب في الجذور منذ آلاف السنين. فقد مثّل الزيتون عبر العصور مصدرًا للطعام والدواء والوقود ومواد البناء. وخلال الحكم العثماني الذي استمر أربعة قرون حتى عام 1917، ازدهر إنتاج الزيتون في فلسطين وأصبح أحد أعمدتها التجارية. اليوم، تُخصَّص نحو نصف الأراضي الزراعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لزراعة الزيتون، وتدرّ صادراته نحو 200 مليون دولار سنويًا في المواسم الجيدة، وفق مركز التجارة الفلسطيني. يعتمد أكثر من 100 ألف أسرة في الضفة على دخله، من بينهم 15% من النساء العاملات.

 

يرى المزارع الفلسطيني محمد أبو الرب من قرية جلبون قرب جنين أن العلاقة بين الفلسطينيين وشجرة الزيتون تتجاوز حدود الزراعة، ويقول: “هي ليست شجرة فقط، بل وصية الأجداد، رمز صمودنا، وجذرنا في هذه الأرض”. ولهذا تُعد شجرة الزيتون رمزًا لمفهوم “الصمود” الفلسطيني، الذي يعبر عن المثابرة اليومية في وجه الاحتلال.

 

تاريخ الاعتداءات على المزارعين الفلسطينيين يمتد إلى ما قبل قيام إسرائيل، حين بدأت مجموعات صهيونية بمهاجمة الحقول خلال الانتداب البريطاني. اليوم يعيش نحو 700 ألف مستوطن في 150 مستوطنة و200 بؤرة استيطانية في الضفة، وكلها غير قانونية وفق القانون الدولي، بينما تتغاضى السلطات الإسرائيلية عنها. في السنوات التي سبقت هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، تصاعدت الهجمات ضد مزارعي الزيتون، إذ أبلغ 40% منهم عن سرقة محاصيلهم أو تخريبها، فيما واجه آخرون عنفًا مباشرًا خلال موسم الجني، غالبًا وسط صمت الجيش الإسرائيلي الذي يسيطر على أمن المنطقة.

 

في عام 2025، تصاعدت الهجمات مجددًا. في أغسطس، دمّر الجيش الإسرائيلي عشرة آلاف شجرة زيتون خلال حصار استمر ثلاثة أيام لقرية المغير قرب رام الله، بعد مقتل مستوطن. قال قائد المنطقة العسكرية الإسرائيلية اللواء آفي بلوت إن الهدف هو “ردع كل من يجرؤ على رفع يده ضد المستوطنين”، مؤكدًا أن كل قرية “ستدفع الثمن غاليًا”. كما فرضت إسرائيل قيودًا قاسية على حركة المزارعين، مما منعهم من الوصول إلى أراضيهم إلا لأيام معدودة لا تكفي لحصاد المحصول، فخسر الفلسطينيون نحو 10 ملايين دولار من دخلهم وفق مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

 

تضاعفت الاعتداءات في 2024 لتصل إلى نحو 200 حادث موثّق، من بينها مقتل الفلسطينية حنان أبو سلامة (59 عامًا) برصاص الجيش أثناء عملها في حقل عائلتها قرب جنين، رغم تأكيد تحقيق أممي أنها لم تُشكّل أي خطر.

 

يرى التقرير أن استهداف الزيتون ليس عرضيًا، بل جزء من سياسة تهدف إلى خنق الاقتصاد الريفي الفلسطيني ودفع السكان إلى الرحيل. فالهجمات تشمل أيضًا تدمير آبار المياه وذبح الماشية وهدم البيوت الزراعية. حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية تدفع بخطط ضمّ الضفة رسميًا، ومررت مؤخرًا مشروع قانون أولي في هذا الاتجاه، فيما تغضّ الطرف عن البؤر الاستيطانية غير المرخّصة حتى وفق القانون الإسرائيلي.

 

أما في غزة، فالوضع أكثر مأساوية. إذ دمّرت الحرب الإسرائيلية 98.5% من الأراضي الزراعية وفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو). فقدت غزة نحو 1.1 مليون شجرة زيتون، وجفّت آبارها بنسبة 86%. ووصفت منظمة الميزان الحقوقية هذا الدمار بأنه “إبادة بيئية”، محذّرة من تلوث التربة والمعادن الثقيلة التي ستتسرّب إلى المياه الجوفية وتدخل السلسلة الغذائية.

 

وللعام الثالث على التوالي، يعيش مزارعو غزة موسم زيتون بلا حصاد. كثيرون لجأوا إلى استخدام جذوع الأشجار الميتة وقودًا للطهي في ظل انقطاع الوقود المستمر منذ شهور.

 

في مايو 2025، أدانت منظمة العفو الدولية تدمير إسرائيل أراضي خان يونس الخصبة، واعتبرت ذلك “استخدامًا للتجويع كسلاح حرب”. وقال رئيس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، أجيث سونجاي، إن “العنف الاستيطاني بلغ مستوى غير مسبوق في الحجم والتكرار، وبموافقة ودعم ومشاركة من قوات الأمن الإسرائيلية، وبإفلات كامل من العقاب”.

 

ويضيف سونجاي أن الزيتون بالنسبة للفلسطينيين ليس مجرد محصول، بل حياة وهوية ومصدر رزق. ومع ذلك، يستمر الاحتلال في قطع هذا الشريان الأخضر الذي يربط الفلسطينيين بأرضهم، محاولًا فصلهم عنها شجرةً بعد شجرة. “كل شيء يبدأ من الزيتون”، يقول سونجاي: “ومن هنا تبدأ أيضًا مقاومة النسيان.” 

 

https://www.middleeasteye.net/explainers/olive-harvest-israeli-settlers-palestine-west-bank